المادة    
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: أيها الإخوة المشاهدون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقد تحدثنا في اللقاءات الماضية بإجمال عن مسيرة التاريخ البشري، وعن النظرة إلى هذه المسيرة التاريخية الطويلة من خلال المناهج الثلاثة أو المصادر الثلاثة للمعرفة: الوحي المجرد المعصوم. الوحي المختلط المحرف. والنظرة اللادينية على اختلاف مدارسها واتجاهاتها. وكما قد وجدنا من يقول: إن هناك مرحلة هي ما قبل الأديان, أو تاريخ ما قبل الأديان التي ارتبطت -كما رأينا- بمرحلة ما قبل التاريخ. وكذلك نجد على الجانب الآخر من يرى أن هناك مرحلة أخرى؛ وهي مرحلة ما قبل الفلسفة، وهي ترتبط بما بعد التاريخ؛ ولكنها بما قبل ظهور الفلسفة؛ وبالذات في نظر الكثير من هؤلاء أو نظر أهل العلم المادي وجملة الغربيين ترتبط بمرحلة ما قبل تاريخ الفكر اليوناني، الذي يرون أنه قد حرر العقل البشري من الأساطير والأوهام -في نظرهم وتقديرهم- وارتقى بالبشرية مرحلة أخرى هي: مرحلة الفلسفة. هنا نجد أنفسنا ومن خلال ما قد عرضنا من الأخطاء في النظرة التاريخية بهذه الطريقة، أو الأخطاء الكبرى أو ما نستطيع أن نقول: إنه الخرافة التي تُخيّلت عن تاريخ الإنسان؛ سواء من الناحية العضوية الحيوية البيولوجية، أو من الناحية الفكرية النظرية المعرفية؛ على كلا الأمرين قد قررنا -والحمد الله- وتبين لنا من خلال معالم كثيرة وشواهد التاريخ والحضارة، ومن خلال تكريم الله تبارك وتعالى، ومن خلال ميزات وخصائص الإنسان وغير ذلك مما تقدم؛ يتبين لنا أن تاريخ الإنسان أرقى وأسمى وأعلى من أن يفسر بهذه السذاجة والبساطة، بمرحلة ما قبل الأديان أو مرحلة ما قبل الفلسفة أو ما أشبه ذلك. هناك معلم مهم جداً من المعالم الثابتة في التاريخ الإنساني التي لا يجوز بحال إغفالها، وإن كان هنالك -للأسف الشديد- من يتجاهلها عمداً، ولا سيما في البحث اللاديني الغربي، وهو ما يتعلق بثبوت النبوة, وظاهرة الأنبياء والرسل الكرام؛ الذين اختارهم الله تبارك وتعالى، وبعثهم إلى الأمم ليخرجوهم من الظلمات إلى النور. النبوة شأنها عظيم, وهي مما لا يخضع لكثير من التقديرات البشرية أو الحسابات الأرضية أو المعايير التي قد يظنها الحكماء أو الفلاسفة أو غيرهم، إلا لمن أذعن قبل ذلك كله بأن الله تبارك وتعالى الذي خلق هذا الكون جميعاً وخلق البشرية جميعاً؛ خلقها بعدل ورحمة وخير وحكمة، وأنه يختار لها من يدلها على طريق الخير.